مبارك في التحرير

سناء السعيد
فجأة وفي ميدان التحرير وصل حسني مبارك الرئيس السابق لمصر كي يَمثُل أمام شباب ثورة 25 يناير بناء علي مطلبهم بحضوره.. وما أن شاهدوه حتي خاطبهم قائلاً: اسمحوا لي قبل أن ندلف إلي المحاكمة أن أحدثكم بما
يعتمل في نفسي وأطرح أمامكم وثيقة توضيحية للملابسات التي أحاطت بي عندما كنت رئيسًا للجمهورية وتداعيات هذه الفترة وما آل إليه الموقف بعد ثورتكم التنويرية وانعكاساتها عليَّ, لذا آمل منكم وأنتم شباب واعد أن تصغوا لما أقول قبل أن تبدأ المحاكمة.
لقد جاءت الثورة بمثابة عنصر إفاقة لي.. أدركت معها أن لكل شيء نهاية وأن فترة الحكم التي طالت ووصلت إلي ثلاثة عقود كان يجب أن تنتهي ولكن النفس أمَّارة بالسوء والبطانة والحاشية تصور للحاكم أنه الأوحد الذي لا بديل له فهذا ديدن مجموعة المنتفعين لأن بقاء الحاكم في سدة السلطة يضمن لهم البقاء في مواقعهم, ولا غرابة فالمصلحة هنا تجبُّ كل شيء ومن أجلها يركبون موجة النفاق والتزلف.
وتكفيرًا عن الذنوب التي اقترفتها فإنني ووسط هذا المحفل أعلنها صريحة ومدوية بأن المليارات التي أملكها وتملكها أسرتي ستكون حقًا مشروعًا للدولة, فمن الآن هي لمصر الحبيبة التي آليت علي نفسي أن أعيش من أجلها.. ستعود الأموال كاملة إلي الشعب لإعادة عملية التنمية, وهناك موضوع آخر أحببت أن أميط اللثام عنه ألا وهو 'التوريث' الذي لم يكن أبدًا في مخيلتي ولم أقتنع به في يوم من الأيام, فمصر ليست مَلَكية تؤول فيها السلطة تلقائيًا للابن ولكن زوجتي هي التي أرادت ذلك ورتبت السيناريو من أجل تنفيذه وصدقوني ما كان هذا ليتم طالما كنت علي قيد الحياة.
لقد خرجت زوجتي عن أطر المعادلات التي خططت لها, تكالبت علي الأضواء.. كانت نهمة بحب الظهور وأن يتحلق حولها الوزراء والمسئولون وأن تفرد لها الصحف والمجلات الصفحات وأن تحتل فقرة كاملة في تليفزيون الدولة لتغطية جولاتها ونشاطاتها وكأنها أرادت أن تظهر للعالم أنها هي التي تدير شئون الدولة وتمارس الحكم علي أرض الواقع.. غاب عنها أن الجرعة الإعلامية الزائدة تنقلب للضد وتثير النفوس ضدها وتولد الكراهية لشخصها, فزوجة الرئيس يجب ألا تفرض نفسها علي الساحة بهذا القدر الزائد المبالغ فيه لأنه في النهاية يكون عنصر استفزاز للآخرين.
من الصعب علي المرء أن يقر بنفسه ويعترف بأخطائه, ولكنني أقول لكم: إنني أخطأت حينما سلمت أعنة الأمور إلي شلة الفساد, وحينما سمحت لزوجتي بأن تتغول في بيت الرئاسة, وحينما انصعت لضغوط مورست عليَّ من الخارج لتبني سياسة خارجية محبطة أثرت علي مصر سلبًا وقلصت دورها في المنطقة.
أكتفي بسرد هذه النقاط الآن حيث إنني لا أريد أن أطيل عليكم, وأقول هآنذا أمامكم الآن إنسان عادي مجرد من المنصب والنفوذ والسلطة والمال, ولا أبغي شيئًا من الحياة إلا رضا الله فدوام الحال من المحال وما أحرانا أن نستدعي قوله سبحانه وتعالي: 'قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير' '26 آل عمران'.. سيناريو تخيلت حدوثه علي أمل أن يتبناه رئيس مصر السابق حسني مبارك.