رحمك الله أستاذي

رحمك الله أستاذي
مضى يوم الاثنين بكامله .. فسافرت بعد المغرب سفرا ما .. وعقدت العزم والنية على المبيت في هذا المكان .. وفجأة وفي العاشرة والنصف رن هاتفي رنة طويلة .. فإذا بها أختي .. سألتني عني وعن أحوالي .. وسألتني عن ولدي "أحمد" وعن أحواله .. وقالت لي: هل ستبيت؟ قلت لها: أيوه، فقالت: الأستاذ صابر توفي .. قلت لها: ايه؟؟؟ بتقولي ايه؟؟؟ الأستاذ صابر حبيشي؟؟؟!!! قالت: اه .. قلت لها: إن لله وإنا إليه راجعون .. متى الجنازة؟؟ قالت: الساعة 12 .. قلت لها: أنا جاي دلوقتي حالا .. قالت: خليك وروح بكرة للعزاء .. قلت لها: لاااااااااااا أنا جاااااااااي .. فخرجت من المكان الذي أنا فيه .. وأكرمني ربي بسيارة نهبت الأرض نهبًا .. وطوت الطريق طيًّا .. ووصلت قبل الجنازة بخمس دقائق.
بعض القريبين مني كانوا يعرفون أني لست في البلد .. فلما رأوني قالوا: لماذا جئت؟؟ الصبح قريب .. قلت: إذًا أنتم لا تعرفون الأستاذ صابر .. فلذلك استبعدتم أني أترك كل شيء وآتيه لأؤدي له آخر حقٍّ له ..
أتعرفون من هو الأستاذ صابر؟؟ .. إنه أستاذي
رحمك الله يا أستاذي .. تعلمنا منك الخلق قبل العلم .. تعلمنا منك الأدب قبل النظريات .. كنت لنا معلمًا متميزًا .. كنت لنا أبًا حنونًا .. كنت لنا أستاذًا عطوفًا .. بل اعتبرت نفسك صديقًا غاليًا .. كنت بوعدك وافيا .. ولعملك بإتقان مؤديا
صورتك بخيالي لا تفارقني .. مشيتك في عيني لا تبتعد عني .. صوتك يرن في أذني وأنت تقول لي "يا بو طه" "ازيك يا شيخ محمود، وازي بابا، سلملي عليه كتير" .. ابتسامتك الجميلة أمامي الآن وأنا أكتب هذه الكلمات .. كنت أشعر بفرح كبير وسعادة غامرة حينما ألقاك في أي مكان .. لا أدري لماذا .. فكان حبك مستقرًا في قلبي.
لذلك؛ صدمتنا في فراقك لا توصف .. حزن القلب .. دمعت العين .. اقشعر الجلد .. لما سمعت الخبر:
"أستاذك مات" عبارة ما خلتها ... ... إلا كصاعقة على الوجدانِ
أو أنها موج عنيق جاءني ... ... يقتاد نحوي ثورة البركانِ
يا ليتني استوقفت رنة هاتفي ... ... قبل استماع نداء من ناداني
أو أنني أغلقت كل خطوطه ... ... متخلصاً من صوته الرنانِ
"أستاذك مات" أما لديك عبارة ... ... أخرى تعيد بها اتزان جناني
قلْ لي بربكَ أي شيء ربما ... ... أنقذتني من هذه الأشجانِ
قلْ لي بربك أي شيء، قال لي ... ... عجبا لأمرك يا فتى الفتيانِ
أنسيت أن الموت حق واقع ... ... ونهاية كُتِبَت على الإنسان؟
أنسيت أن الله يبقى وحده ... ... وجميع من خلق المهيمن فانِ؟
أنسيت؟؟!! لا والله، لكني إلى ... ... باب الرجاء هربت من أحزاني
"أستاذي مات"، صدقت، إني مؤمن ... ... بالله مجبول على الإذعانِ
رحمك الله أستاذي .. حقًّا .. بعدما أغلقنا القبر ووقفت مليًّا وخفضت رأسي إلى الأرض وأغمضت عيني .. قلت: ظني بربي أنه سيحسن استقبالك .. ظني بربي أنك انتقلت إلى خير مما كنت فيه .. تخليتك أستاذي مبتسمًا مسرورًا .. تخيلتك تجلس في روضة غناء .. تخيلتك في جنة كبيرة واسعة .. فدمعت عيني وقلت: اللهم اجمعني بك في الجنة.
ابنك وتلميذك؛؛
محمود الفقي